كرة القدم تحيا، بمن يمارسها تاركًا لها قلبه !
هنا تعبير مجازِي ، لن تجد مهووس باللعبة لا يقدس المغزى المقصود منه ويَكْثرُ ترديده ، والسر وراء ذلك من الممكن أن يكشف بمجرد طرح سؤال واحد “كيف يَتِرُك لها القلب لكِّ تحيا؟” ، السؤال الذي يقابله إجابة موحدة يكون مفادها أن كرة القدم لا يليق بها أن تمارس بالتبلد فأكثر ما يقتلها هو أن يسود على ميدان ممارستها التراخي ، وما يُبقِيها على قيد الحياة الندية أي أن تترك لها قلبك بتمزيق ثوب المؤدي وإرتداء ثوب الشغوف .
أحدهم مِن مَن شغروا الرواق الأيسر ، ثوب الشغف كان يناسب جسده وكأنه فُصِّلَ عليه .
حينما يحين دور البديل يسلط الضوء ولكن عندما يغادر الملعب نجم هو أحد ركائز الجبهة اليسرى لأصحاب الرداء الأحمر في الدقائق الأولى من مباراة نهائية ستحدد نتيجتها وجهة بطل القارة السمراء وسط حضور أكثر من عشرين ألف متفرج حتمًا سيزداد إشعاعه ، فتلك اللحظة التي سيضع فيها البديل أقدامه داخل الميدان سيصبح حبيس السؤال الحائر الذي سيهمس به كل من يجاور الآخر ” هل سيقدر على تقديم مجهود مماثل لمن غادر ؟ ” ، إلا أنه في تلك الليلة ، أراد أن يتحرر ويجيب على ذلك .
خطواته كانت محسوبة لا يشوبها أي رهبة رغم صغر سنة إلا أنه قدم ما يبرهن على أنه صنع من طينة الكبار ، فبالرغم من أن الفرصة التي أنتظرها أتت في أجواء مليئة بالأعباء لم يظهر مرتعشً وإنما كان ظهوره لافت أراد فيه أنا يبعث رسالة واحدة ” بإمكاني تعويضه ” وأكد عليها بعرضية متقنة ماركة برازيلية أسكنها أحد رفقائه في الشباك ليساهم في عدم مغادرة الكأس قلب القاهرة .
في ختام تلك الليلة أتفق الجميع على أن تلك المباراة ستكون القطعة الناقصة لتكمل مسيرته فبعد أن ثبت أقدامه مع منتخب بَلَدِهِ لم يتبقى له إلا التواجد بصفة أساسية ضمن خطة الخواجة البرتغالي داخل القلعة الحمراء وهو ما نالَهُ ، فالنجم الأنجولي الذي كان من الصعب منافسته في بادئ الأمر أصبح قريب أكثر من أي وقت مضى من إنتزاع مقعدة .
في كل دقيقة شارك بها منذ ليلة الثاني عشر من نوفمبر 2005 أكد فيها أن موسمه الأول الذي أنتظر فيه فرصة حقيقية بالقميص الأحمر ولم تأتي لم يمر هباءً وإنما مر عليه وهو يدرك أن الأهم من إتاحة الفرصة هو كيفية التشبث بها ، فالشاب الذي تبدو ملامحه هادئة لا يفارقها التبسم لم يكن هادئًا داخل الميدان وإنما كان يحدث ضجيجًا حينما ينتزع آهات الإعجاب ببراعته كلما لامست أقدامه العشب الأخضر .
فقد أمتاز بعرضيات متقنة من وضع الثبات أو الحركة وكأن قياساتها أخذت بالمسطرة ، ترسل بدقة متناهية بها حُسن توقع للرقعة التي سيتمركز بها أحد المتحركين داخل منطقة الجزاء ، لم يكن يسمح للكرة أن تخرج من أقدامه دون أن تحدث تأثير ، وأضاف إلى ذلك المهارة الفردية التي أستثمارها إستثمار ناجح في تخطي أي مواجهة ثنائية قد تعيق مهمته خفة البدايات كان تقدم بصورةٍ مثلى ، فقد كان يدرك كيف يصبح سيف قاتل حينما يقرر الهجوم وكيف يصير درع صلب حينما يرتد للدفاع ، أي أن واجبات مركزه الأساسية كان يقدمها بالتساوي .
لكن ما زاده بريق أنه أضفى على متطالبات مركزه ميزات أخرى تمثلت في التسديد من خارج منطقة الجزاء والضربات الثابتة فقد أمتلك أقدام على درجة عالية من الحساسية والإتقان والأهم القوة ، أمنحه تمريرة ، مساحة للتحرك ، أو أكثر ما يجعلك قاب قوسين أو أدنى من التأخر في النتيجة خطأ من على قوس منطقة الجزاء وأنتظر في كل مرة الكرة في الشباك ، عُدْ إلى ما أحدثه في توسكر الكيني ، حرس الحدود ، الإسماعيلي ، إنبي ، أسمنت السويس للتأكد من ذلك .
كان يَظْهَر بشخصية كبيرة تفوق عمره ، ثقة وثبات في المستوى مغلف بطابع الندية ، وكأنه متمرس في الأندية الكبرى والمنتخبات وله رصيد من الخبرة منذ عدة سنوات وليس الشاب صاحب 22 عام الذي يستهل مشواره ، لذا فقد أستحق حصد 7 بطولات بقميص العملاق القاهري “دوري أبطال إفريقيا – السوبر الإفريقي – لقبان من الدوري المصري – لقبان من السوبر المصري – كأس مصر” في موسمين إنضمامه لصفوفه ، ربما المدة تبدو قليلة والحصاد فيها كان به جانب كبير من التوفيق لكنه قدم ما جعله يستحق والقدر يسر له ذلك لأسباب أخرى أتضحت فيما بعد .
ظهير أيسر عصري متكامل بمواصفات أوروبية ، جعل الجميع يرددوا أنه سينقل الجبهة اليسرى للكرة المصرية لمستوى آخر
وصارت المقولة دارجة على ألسنتهم بالأخص بعد ظهوره اللافت في فترة تواجده ضمن صفوف منتخب بَلَدِه 2006 التي نتج عنها تتويجه بكأس الأمم الإفريقية ، لكنهم توقفوا عن الترديد في الواحد والثلاثين من أغسطس 2006 ليس لتراجع مستواه وإنما لأنه اليوم الذي حَمَلَ إجابة لمن تسائل عن التوفيق الذي لازمة في فترة تواجده القصيرة ليتوج على آثرهِ بعدة بطولات هامة ، محمد عبد الوهاب كان قد طبق التعبير الذي يستهوي المهوسين باللعبة مجازًا ، والقدر جعله يطبقه بمعناه الحرفي ، لقد ترك لكرة القدم قلبه لتبقى على قيد الحياة وهو من يفارقها ، حصاد عبد الوهاب كان كبير لأن عمره قصير .