الدوري الممتاز

المعلم حسن شحاتة والحصان الأسود محمد ناجي جدو

في عام 1831 ، جلس شابٌ يُدعى “الدوق” خلف مِضمار أحد سباقات الخيل ، و قبل أن يضرب كل حصان بحدوتهِ ليتأهب للركض و قبل أن يمتطي الفارس خيله و يندفع إلى الأمام ، شارك الدوق في الرهان المعقود لتوقع الخيل الرابح قبل البدء ، كل من قبِل بالمُراهنةِ قد وقع أختياره على الحصان الأوفر حظًا و الأكثر ترجيحًا للفوز ، إلا هو فقد وقع إختياره على من لم يتوقع أحد فوزه، أشار الدوق إلى حصان مغمور خرج من دائرة توقعات الجميع رفضًا للمُجازفة و تأييدًا للعب على المضمون و هو السبب الذي كان يجهله حينما إختار أي وقع إختياره دون إدراك أنه الحصان ذو التاريخ السابق المجهول ، وبالرغم من ذلك ركض الحصان حول المضمارِ و عاد إلى نقطة البدء منتصرًا ! ، ليخرج في تلك الليلة من عتمة المغمور إلى بؤرة الضوء بعدما أُطلق عليه لقب ” الحصان الأسود ” و أصبح مصطلح يكثر تردده على كل من ينتصر و لم يتوقع أحد إنتصاره .

في عام 2010 ، كان هناك نُسخة جديدة من ” الدوق ” ليس في مِضمار سباق الخيل و إنما في ميدان كرة القدم ، في أحد المنافسات الدولية ، أحداهما رحب بالمُجازفة و رفض أن يسلك طريق التأييد المضمون ، لكنه لم يختار أن يخوض المنافسة بإختيار يجهل إمكانياته مثلما فعل الدوق ، و إنما كان يرى جيدًا ما يملكه أختياره و لم يرى ما رأه أحد غيره فلم تكن مجازفته فقط في إختيار أسم خبرته الدولية محدودة للحد الذي يجعله ليس الأوفر حظاً للإنتصار برفقاتهِ و إنما لأنه تحدى الجميع حينما أختار المُجازفة على حساب إختيار من يكسب التأييد بإختياره و قبِل بالعمل تحت ضغط سؤال قد سيطر على عقول الجميع في تلك الفترة ” إلى أين سيصل بتلك المُجازفة ؟ ” ، هو قد أختار المجازفة و لم يختار تأييد العامة لأنه أراد أن ينتصر فعليًا و ليس معنويًا لأنه يدرك أن من يؤيده فمُستهل المشوار سيُهاجمه إذا كان الختام عكس رغبته ، لذا كان مُرحب بالهجوم في البداية ليظفر بالإشادة فالختام وليس العكس .

الْمَعلم و الحصان الأسود

حينما تقود منتخب بلدك للتربع على عرش القارة بطلاً في نسختي متتاليتين ، حتمًا ستخوض الثالثة بأعباء مضاعفة على رأسها كيف تُحافظ على تكرار الإنجاز لكن كل ذلك يهون أمام خوضها خارج أرضك مُجرد من أهم أسلحتك و مطالب أن تبدأ في البحث سريعًا عن حل فعال تُنقذ به الموقف بعدما أزداد تعقيدًا ، و ذلك ما حدث مع الْمَعلم قائد منتخب مصر حينما فقد أحد أهم أسلحته تباعًا “ الساحر و الهداف ” و المميز الذي يمتلك إمكانية التعويض لكن من مُستحيل إستدعائه لأن العلاقة فيما بينهما قد تعكر صفوها للحد الذي جعله خارج حساباته إلى الأبد ، المصائب لم تأتي فرادى و كل ذلك قبل خوض منافسة الإستمرار على عرش القارة للعام الثالث على التوالي ، هنا يجب أن تبدأ رحلة البحث التي سيتبعها ترقب من الجميع و سؤال واحد على من سيقع أختياره لترجيح كفة تجدد الأمل بعدما مالت ناحية الإحباط ؟

إجابة المَعلم كانت مفاجئة للجميع حينما قرر أن يعيد إستنساخ تجربة الدوق و يختار أن يُراهن على من لم يتوقع أحد إنتصاره ، أراد أن يُغرد خارج سرب النمطية ، حيث جعل ليلة الإعلان عن القائمة النهائية المُتوجهة إلى أنجولا هي الليلة التي جلس فيها الجميع يرددوا جملة واحدة ” أي معيار قد أختاره به ” ليس صاحب خبرة دولية أو من أحد أندية القمة ، رغم أنه كان في أوج تألقه مع ناديه السكندري لم يعر أحد إهتمامه لذلك و من أهتم أو كاد أن يتنبأ تراجع و ترك رأيه حبيس بداخلهِ حتى يرى النتيجة ، تلقى المَعلم سيل من الهجوم و لم يلتفت لن القرار قد أُتخذ و سِجال الحديث لن يُخمد نيران النقد و إنما الأيام حينما تُنصف أختياره ، المَعلم قد أختار أن يرفع شعار التحدي من تهاجموه اليوم ستهتفون بأسمه غدًا لقد أختارت ” الحصان الأسود ” .

في أول ظهور غير رسمي و على أرض الإمارات يُسجل أول أهدافه ، البادرة الأولى أتت سريعًا لتمنحه شيئًا من الثقة و تقلل حدة الهجوم نسبيًا ، نعم سجل و لكن زيارة الشباك في المنافسات الرسمية تختلف ، و هو كان يُدرك ذلك لذا فور إنطلاق المنافسة الرسمية لأمم أفريقيا 2010 أراد أن يؤكد فاللحظة التي يُشارك فيها أنه يمتلك القدرة على تكرار ما فعله فالإمارات ، حيث شارك بديلاً و نجح في إطلاق السهم الثالث في صدر النسور الخضراء و أكد على تفوق الفراعنة في إفتتاح لقاءات المجموعة الثالثة ، لم يكسب الثقة كاملة على آثر ذلك و لم تتفق الأراء عليه بعد إلا أن البعض بدأوا فالشعور بالإرتياح أتجاهه و آخرين مازال الشك ينتابهم و يؤكدوا أنها مجرد صدفة و الأجواء كانت مواتية لإستثمارها !

إلا أنه أصر على كسب من يشكك في قدراته إلى صفه ، و يؤكد لمن شعر بإرتياح أتجاهه أنه لم يُخطئ ، و الأهم من كل ذلك هو إنصاف أكثر من آمن به الْمَعلم قد تحدى الجميع بإختياره و سيكون مؤسفًا أن يخسر هذا التحدي لقد وضع على عاتقهِ مسئولية أن لا يخرج من تلك المُراهنة خاسر ، و لا سبيل لتحقيق ذلك إلا أن يجتهد و ألا ينظر إلى الكم بل الكيف ، لا يهم كم الوقت الذي سيُتاح له للمشاركة الأهم هو كيفية صُنع الفارق من خلاله فلا أحد يتذكر الوقت المُقدر لمشاركة أي لاعب بقدر ما يتذكر كم مرة نجح في هز الشباك أي إحداث التأثير ، و هو ما أدركه جيدًا بجانب أنه كان يمتلك ما يُساعده على التنفيذ .

ليس كل من يتحسس الخطوات خفية ، لص !

هي الحقيقة التي قد نجح في إثباتها ، لم يكن إختياره مجرد سد خانة فالقائمة و إنما إختيار قد أظهر نوعية جديدة مختلفة لم تتواجد على ساحة الكرة المصرية من قبل ، لقد أمتلك قدرة مذهلة في أن يتحسس الخطوات دون يرأه أحد أو يسمع حتى دبة أقدامه سيظن من يواجهه أنه قد أحكم الغلق و لم يترك منفذ لتُحدث خطواته الغير محسوسة أي خطورة ، حتى يظهر من العدم بعدما فك التكتل بحركة مدروسة و أسكن الكرة فالشباك ليتردد على آثرها سؤال واحد ” من أين أتى ؟ ” ، لقد أتى حينما قرر أن يكون مثل قائده غير نمطي في قرارته ، لن يقف مكتوف الأيدي داخل منطقة الجزاء لينتظر المدد و إنما سيتحرك حتى يوجد المساحة لنفسه التي تأتي نتاج نظرة مدروسة لكل الزوايا التي قد توصله للمرمى ، و إذا تطلب الأمر أن ينطلق بالكرة لن يتردد فهو يمتلك أيضًا إمكانية الركض بالكرة بشكل إيجابي ، خطواته الغير محسوسة رأس ماله ، ليس لأنه لص بل لأنه هداف غير نمطي .

زيارة شباك المنتخب النيجيري لم تكن صدفة ، و ما ينفي ذلك أتى سريعًا تباعًا ” موزمبيق ، الكاميرون ، والجزائر ” ، كلما دعس بأقدامه على العشب الأخضر في الثلث الآخير من المباريات إما يحسم أو يؤكد على الإنتصار لقد نح حسابات الوقت منذ أول وهلة و أختار الإجتهاد و إستثمار إمكانيات بالطريقة المُثلى و من يجتهد يُكافئ لقد أصبح ” الفأل الحسن ” فكل من تذبذب أو تسائل عن أسباب ضمه أصبح يستبشر بالخير بمجرد لمح ظله من على الخطوط ، و لم يكتفي بذلك ، لقد رأى أن الْمَعلم و كل أهل بلده يستحقوا أكثر و أن كل ما مضى رغم تأثيره ، لأن يُضاهي لقطة ختام ملحمية .

” مصر و غانا “ حينما صرخ الْمَعلم أقدم لكم ” الحصان الأسود “

بمجرد رفع الحكم الرابع اللوحة ليُعلن عن دخوله المباراة فالدقيقة 70 بدأ الجميع يستبشرون خيرًا و يتمتمون بالدعاء أن تستمر الأمور على نفس النُسق ويأتي بالحسم مثلما فعلها من قبل ، إلا أن الأمور ظلت مُعقدة حتى الدقيقة 84 أو بالأحرى حتى قرر أن يظهر ، لم يتمكن المنتخب المصري من فك شفرة خط دفاع النجوم السوداء للحد الذي جعل كل من يُتابع المواجهة يظن أن الحسم سيؤجل للأشواط الإضافية ، و هو ما رفض حدوثه فلن يتأخر الإنتصار في وجوده أكثر من ذلك و لن يترك الفرصة التي أتت مواطية من أجل لقطة ختامية ملحمية تمر ، سيترك آثر في وجدان أهل بلده لا يُنسى .

لقد أمتلك أكواد فك شفرة الدفاع ، المُتمثلة في الخطوات الغير محسوسة التي يتخذها قبل أن يُتمم عمله بزيارة الشباك ، تحرك بالكرة خطوتين من يسار الملعب لم تكن محسوسة و لم تنبأ بأي خطورة للحد الذي جعل مُعلق المباراة يبدأ في سرد تاريخ المنتخب المصري في الأشواط الإضافية و لا يعرها إهتمامه ، إلا أنها لم تكن خطوات تقليدية و إنما دراسة سريعة لموضع الثغرة و أختيار الرقعة الأمثل التي سيتحرك فيها بشكل غير متوقع ، وفور إنتهاء تحركه بالكرة مررها لأحد رفقائه ليتحرك من دونها بشكل سريع و غير نمطي فالموضع الذي أختاره و يستقبلها مرة آخرى .

هنا صوت المعلق عاد مرة أخرى مفعم بالحماس بعدما مزق أوراق حسبة الأشواط الإضافية ، و الحقيقة أن كل من يُتابع أصبح مفعم ليس بنفس حماسه و إنما أكثر بكثير منه ، هي لحظة إتخاذ القرار لا يهم الكيفية المهم أنها تدخل الشباك لو كان متاح للجميع أن يطالبوه بإستقبال التمريرة و وضعها بيده فالمرمى لطالبوه ، إلا أنه قد أهتم أن تكون النهاية ملحمية على طريقة الكبار ، لن تكون تسديدة حاسمة فقط و إنما بشكل أيضًا راقي ، حيث سدد في أقصى الزاوية اليسارية للحارس قاتلة كونها لا تُصدى و أكثر قتل لأنها كرة الحسم ، ليخرج من تلك الليلة تاركًا آثر في وجدان أهله بلده لا يُنسى بعدما جلب الذهب و أصبح هدافًا للبطولة بخمس أهداف رغم مشاركته في دقائق معدودة .

ليصرخ الْمَعلم ” حسن شحاتة ” لم أتي به من أندية القمة مثلما طالبتم ، لكن جعلته هدف يتصارعون على ضمه ، أقدم لكم ” محمد ناجي جدو ” الحصان الأسود الذي خوضت به الرهان و لم أخسر .

دنيا سعد

كاتبة صحفية لدى كورة نيو ، مختصة بالأخبار المحلية والعالمية
Back to top button