أمم أوروباتقارير

وهكذا هي الحياة يا صديقي – عندما اذاقت تركيا فرق أوروبا من كأس الريمونتادا والدقيقة 90

دائما ما تمثل كرة القدم الجانب الترفيهي لدى العديد من محبي اللعبة، ولكن وعلى الرغم من أنها مجرد وسيلة ترفيهية، إلا أن الساحرة المستديرة دائما ما تكون بمثابة المعلم والمُلهم لمحبيها، فتكون في بعض الوقت إنعكاس لأحداث الحياة، لتعطي عشاقها الدروس في الإخلاص والمثابرة حتى النهاية.
 
قد يشاهد البعض مباراة كرة القدم من أجل المتعة فقط والترفيه لمدة 90 دقيقة ليس أكثر، ولكن في الحقيقة خلف كل مباراة وخلف كل 90 دقيقة قصة وعبرة قد يستفيد منها البعض في حياته الخاصة.
 
تركيا 2008:
 
قصة اليوم عن المنتخب التركي في بطولة الأمم الأوروبية عام 2008 بقيادة مديرهم الفني الوطني فاتح تريم الذي كان يمتلك بعض من اللاعبين الشباب في ذلك الوقت أمثال أردا توران وصبري ساريوجلو وسميح شنتورك.
 
ما قبل بداية الرحلة :
 
لم يكن المنتخب التركي لديه تاريخ كبير في بطولة الأمم الأوروبية على وجه التحديد، حيث يكون دائما من الصعب عليهم الوصول للبطولة نفسها، وفي حالة التأهل من دور المجموعات يكون بمثابة انجاز لهم.
 
كانت التصفيات صعبة بالنسبة للمنتخب التركي وقتها حيث تأهل بشق الأنفس بفارق نقطة وحيدة عن المنتخب النرويجي ليضرب أبناء فاتح تريم موعدا مع بطولة اليورو للمرة الثالثة في تاريخ تركيا بالبطولة المقامة في سويسرا والنمسا، ليقعوا بالمجموعة الأولى رفقة كل من المنتخب البرتغالي والتشيكي وسويسرا صاحبة الأرض.
 
المباراة الأولى (بداية متوقعة):
 
وبالفعل، البداية كانت معبرة جدا عن وضع المنتخب التركي الذي توقع الجميع خروجه متذيل المجموعة بعد خسارته من المنتخب البرتغالي بهدفين مقابل لا شئ في مباراة سهلة على المنتخب البرتغالي وقتها.
 
الموقعة الثانية والدقيقة 90:
 
أما عن المواجهة الثانية أمام المنتخب السويسري صاحب الأرض، فكانت الأمور تسير كما هو متوقع دون أي تغيير، تأخر في النتيجة في الشوط الأول بهدف نظيف ليبدأ الأتراك في تجهيز أنفسهم للعودة إلى بلادهم مبكرا حيث كانت تعني الخسارة الخروج المبكر من البطولة وانتهى الشوط الأول بالفعل بتقدم سويسرا 1-0.
 
مع بداية الشوط الثاني، انقلبت المباراة ويكأن فاتح تريم كانت لديه الكلمة السحرية، سميح شنتورك يعادل النتيجة للأتراك ويحيى آمال المنتخب التركي في استكمال ولو جزء بسيط من البطولة بأمل التأهل للدور الثاني.
 
وبالطبع الدقيقة 90 كانت صاحبة كلمة السر لدى الأتراك، حيث نجح النجم الشاب الصاعد وقتها، أردا توران في التوغل وتسجيل الهدف الثاني ليحصد المنتخب التركي ثلاث نقاط قد تجعله يدخل المباراة الأخيرة أمام التشيك بأمل التأهل.
 
الملحمة الأصعب والريمونتادا الحقيقية:
 
الجميع توقع تأهل التشيك، منتخب كبير يمتلك العديد من الأسماء الرنانة وكان وقتها المرشح الأبرز للتأهل رفقة المنتخب البرتغالي، وهو ما كاد أن يحدث بالفعل، الدقيقة 70 والتشيك متقدمة على الأتراك بهدفين مقابل لا شئ، الأمور تقترب من الحسم، 20 دقيقة ويتم اعلان التشيك المتأهل الثاني مع البرتغال.
 
وكعادة الساحرة المستديرة التي لا تؤتمن في أي وقت، أردا توران يقلص الفارق، الأمور لا تزال بعيدة ولكن الأمل لا يزال داخل المستطيل الأخضر.
 
وتشاء الأقدار، الحارس العملاق بيتر تشيك حارس المنتخب التشيكي يخطئ خطأ فادح بخروج خاطئ ليستغله نهاد قهوجي قائد المنتخب وقتها ليعادل النتيجة، وبذلك ستتجه المباراة لركلات الترجيح من نقطة الجزاء لحسم المتأهل بعد التعادل 2-2 في ظل تساوي كل منتخب في عدد النقاط وفارق الأهداف.
 
ولكن يبدو أن المنتخب التركي قد استفاق ورفض تأجيل الحسم لركلات الحظ، فقرر نهاد قهوجي تسجيل الهدف الثالث لتصبح النتيجة 3-2 في الدقائق الأخيرة من المباراة.
 
لم تتوقف الإثارة عند هذا الحد في تلك المباراة، حيث أشهر حكم اللقاء البطاقة الحمراء في وجه الحارس التركي فولاكن ديميريل بسبب سوء تصرفه مع أحد لاعبي التشيك ليضطر المنتخب التركي، الذي استنفذ تبديلاته، اللجوء لتونكاي مدافع الفريق لاستكمال المهمة بدلا من ديميريل في حراسة العرين لكن كانت الأقدار رحيمة على الأتراك ومرت الأمور بسلام، تركيا في ربع النهائي لمواجهة كرواتيا صاحبة الصدارة في المجموعة الثانية.
 
ستتوقف الرحلة “إلا لو حدثت معجزة!” :
 
كان المنتخب الكرواتي يمتلك وقتها العديد من النجوم الصاعدة أمثال راكيتيش ومودريتش، منتخب قوي نجح في تحقيق مفاجأة والفوز على ألمانيا في المجموعات وتصدر المجموعة الثانية بالعلامة الكاملة، بالطبع هم الأقرب للتأهل واكتساح المنتخب التركي، نعم فازت تركيا على التشيك وسويسرا ولكن المنتخب الكرواتي مختلف تماما بالطبع، الأمور تتجه إلى انتهاء رحلة أبناء فاتح تريم عند هذا الحد.
 
تركيا تصمد، كرواتيا تحاول، المباراة نحو الوقت الإضافي بعد التعادل السلبي ليأتي وقت الحسم وتنقلب الطاولة على تركيا صاحبة الأهداف القاتلة لتتلقى الصفعة القوية في الدقيقة 118 أي قبل انتهاء المباراة بدقيقتين بعد أن قام حارس المنتخب التركي البديل، روشتو، الذي بدأ اللقاء بدلا من ديميريل الذي تم إيقافه بسبب الطرد أمام التشيك، لتصبح النتيجة 1-0 لكرواتيا وتبدأ الاحتفالات في كرواتيا بمناسبة التأهل لنصف النهائي.
 
إلا لو حدثت معجزة، هكذا قالها معلق المباراة وقتها حفيظ دراجي، وحدثت المعجزة بالفعل، سجل سميح شنتورك هدف التعادل لتركيا في الدقيقة 120 في الوقت الضائع، بل في الوقت ما بعد الضائع، هو بالفعل هدف قاتل لم يتوقعه أحد لتعود المباراة لنقطة البداية ويلجأ الفريقان لركلات الترجيح.
واستكمالا لسلسلة المفاجآت، أضاع المنتخب الكرواتي 3 ركلات جزاء من بينهم ركلتي جزاء لمودريتش وراكيتيش لتفوز تركيا وتتأهل لأول مرة في تاريخها لنصف نهائي اليورو، ولكن تلك المرة مع أصاحب القلوب السوداء التي لا ترحم، الماكينات الألمانية.
 
انتهت الحكاية يا صديقي :
 
الأمر يبدو غريبا تلك المرة، تركيا التي اعتادت العودة في نهاية المباريات فقط والاعتماد على الدفاع طوال اللقاء، بدأت في الهجوم ضد ألمانيا بمنتهى الشراسة ونجحت بالفعل في تسجيل هدف التقدم على الألمان في الشوط الأول! الأمر يبدو غريبا وقد نشاهد منتخب جديد يحصل على البطولة مثل اليونان النسخة الماضية.
 
ولكن تلك المرة المواجهة لم تكن سهلة على أبناء فاتح تريم، ألمانيا تتعادل ثم تتقدم من جديد بعد خطأ كارثي آخر لروشتو حارس المرمى التركي لتصبح النتيجة 2-1 للألمان، يبدو أن الرحلة قد انتهت يا صديقي، لا يوجد آمال عندما تواجه الألمان.
 
ولكن يبدو أن سميح شنتورك مهاجم المنتخب التركي أصبح هو سر السعادة لدى الأتراك، التعادل يأتي في الخمس دقائق الأخيرة من المباراة، تركيا 2 ألمانيا 2، المباراة نحو الوقت الإضافي ولكن!
 
انقلب السحر على الساحر، تركيا التي اذاقت فرق أوروبا الأهداف في الدقائق الأخيرة، تشرب من نفس الكأس، فيليب لام في الدقيقة 90 يسجل الهدف الثالث القاتل لتنتهي رحلة تركيا عند هذا الحد، ويكتسب المنتخب التركي أحترام الجميع ويفشل في تكرار تجربة اليونان في يورو 2004.
قد يبدو أن القصة لم تنتهي النهاية الأسعد، ولكن كما ذُكر في بداية التقرير، كرة القدم بمثابة إلهام وتعبير عن أحداث الحياة، وهكذا هي الحياة، قد تسعى وتحاول وتمر برحلة سعيدة، قد تُكلل في النهاية بالسعادة، وقد تنتهي الرحلة بما لا ترغبه، ولكن ستظل سعيد بما قدمته، فالحياة رحلة، ليست متعتها في الوصول ولكن المتعة في صعوبات الرحلة والاستمتاع بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى