فيا عجائب الدهر وقُصص المجد التي تتوارى فيها أساطير الرجال، نُلقي بظل القلم على صفحات الزمن الحافلة بأمجادٍ تتقلب بين شمسٍ وجِلَّةٍ عظيمة، هنا حيث يُكتب اسمٌ في سماء المجد كالرعد القاصف الذي يُحدث وقعه رجفًا في كل قلب، فتأتي رياح الحاضر بحمل أنباء المدربين العظماء، إنه مارسيل كولر، الفارس الأجنبي الذي جاء إلى أرض الكنانة ليخط لنفسه بين جبال المجد خطًا جديدًا، إننا على مرمى البصر من ملحمة رياضية قوامها الإصرار والتحدي، حيث يُقارن البعض بينه وبين “الأمير الذهبي” مانويل جوزيه، ذاك الأسطورة الذي جعل من تاريخ النادي الأهلي سطورًا تُمجَّد في كل الأرجاء.
لقد بلغ كولر، بأناقة عبوره بين الانجازات، البطولة العاشرة له مع المارد الأحمر، متساويًا في ذلك مع جوزيه في إحدى البطولات الكبرى وهي كأس السوبر المصري، في مشهدٍ يكاد لا يختلف عن سير أعلام النبلاء، نجد أنفسنا متسائلين هل سيكون كولر هو من يتخطى جوزيه أم أن المصير يحمل بين طياته مسارًا آخر؟ وهل يشهد المستقبل على بطولاتٍ ستُضاف إلى خزانته المهيبة أم أن القدر سيفتح صفحة الرحيل قبل تحقيق المجد الأكبر؟
فهل نحن أمام ملحمة متجددة لا تنفك تجود علينا ببطولاتٍ أكثر بريقًا، أم أن الدائرة ستغلق قبل تحقيق الطموح؟
عندما نتحدث عن النادي الأهلي، فإننا لا نتحدث عن مجرد نادٍ رياضي، بل عن كيان تاريخي يجمع بين المجد، والإرادة، والتحدي، تاريخ النادي مليء بالمدربين الذين حفروا أسماءهم في ذاكرتنا بأحرف من ذهب، وكان مانويل جوزيه الأسطورة البرتغالية التي ارتبطت بأكبر عدد من البطولات فمنذ لحظة وصوله إلى النادي في بداية الألفية الجديدة، تحول الأهلي إلى قوة لا تُقهر على مستوى الكرة المصرية والإفريقية، فكان الرقم الصعب في معادلة البطولات، خلال حقبته، استطاع جوزيه أن يحقق 20 بطولة مع الأهلي، ليصبح أكثر المدربين تتويجًا في تاريخ النادي.
في الجانب الآخر، مارسيل كولر، المدرب السويسري الذي جاء ليعيد إحياء روح الانتصارات في قلعة الجزيرة، بدأ مسيرته مع الأهلي بطريقة رائعة، منذ أن وطأت قدماه الأراضي المصرية، استطاع كولر أن يحقق عشر بطولات مع الأهلي، منها أربعة ألقاب في كأس السوبر المصري، ليعادل إنجاز مانويل جوزيه في تلك البطولة، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كولر يسير على خطى جوزيه نحو مجد لا نهائي من البطولات، أم أن مشواره سيتوقف قبل أن يكسر الرقم القياسي لجوزيه؟
تحليل مسيرة كولر حتى الآن
منذ تولي مارسيل كولر قيادة الأهلي، شهد الفريق تحسنًا ملحوظًا في أدائه سواء على الصعيد المحلي أو الإفريقي تمكن كولر من قيادة الفريق إلى الفوز بلقب دوري أبطال إفريقيا والبطولات المحلية بشكلٍ متتالٍ، ليصبح من أسرع المدربين تحقيقًا للنجاحات في تاريخ النادي، استحقاقاته العشر مع الأهلي حتى الآن تشير إلى مسارٍ مشابه لمسار جوزيه في بداياته مع الفريق، حيث تمكن جوزيه في فترته الأولى مع الأهلي من فرض سيطرته على البطولات، الإفريقية بفضل الانضباط التكتيكي والقدرة على تحفيز اللاعبين للوصول إلى أقصى مستوياتهم.
التشابه والاختلاف بين كولر وجوزيه
عند المقارنة بين كولر وجوزيه، نجد تشابهات واضحة، فكلاهما جاء إلى الأهلي في ظروف صعبة، وتمكنا من إعادة بناء الفريق وتحقيق النجاح السريع، لكن كولر يعتمد بشكلٍ أكبر على الفلسفة التكتيكية الأوروبية الحديثة، التي تتميز بالتنظيم الدفاعي الصارم والهجمات السريعة المرتدة، في حين كان جوزيه يعتمد على أسلوب اللعب الجماعي والتفوق البدني والسيطرة على مجريات اللعب، ورغم التشابه في عدد البطولات التي حققها كولر حتى الآن مع إنجازات جوزيه، إلا أن الوصول إلى أرقام جوزيه القياسية يتطلب أكثر من مجرد تكتيك جيد؛ إنه يتطلب الاستمرارية والقدرة على البقاء لفترة طويلة.
هل يتفوق كولر على جوزيه؟
للتفوق على مانويل جوزيه، يحتاج كولر إلى تحقيق المزيد من البطولات، لكنه أيضًا يحتاج إلى الاستمرارية، وهو ما يثير التساؤل حول مدة بقائه مع الأهلي، جوزيه بقي مع الأهلي لفترات طويلة سمحت له ببناء فريق قوي قادر على المنافسة لسنوات، في حين أن المدربين الأجانب في العصر الحديث نادرًا ما يبقون لفترات طويلة في نادٍ واحد، هناك دائمًا احتمال أن يغادر كولر الأهلي قبل أن يتمكن من معادلة أرقام جوزيه القياسية، خاصةً مع ضغط الجماهير والإدارة الدائم لتحقيق المزيد من النجاح.
من ناحية أخرى، هناك العديد من العوامل التي قد تسهم في بقاء كولر لفترة طويلة مع الأهلي، ومنها العلاقة الجيدة التي يتمتع بها مع إدارة النادي واللاعبين، بالإضافة إلى الثقة الكبيرة التي وضعتها الجماهير فيه، إذا استمر كولر في تحقيق البطولات، فإنه بلا شك سيظل في منصبه لفترة أطول، وقد يكون قادرًا على كسر أرقام جوزيه القياسية.
التحديات التي تواجه كولر
لكن التحديات التي تواجه كولر ليست قليلة.د، فالفوز بالبطولات المحلية والإفريقية يتطلب من المدرب القدرة على إدارة الفريق بشكلٍ متوازن خلال الموسم الطويل والشاق. كما أن المنافسة المحلية أصبحت أكثر قوة، مع ظهور أندية جديدة تسعى إلى مزاحمة الأهلي على القمة، إضافةً إلى ذلك، فإن أي إخفاق في البطولات الكبرى مثل دوري أبطال إفريقيا قد يؤدي إلى نهاية سريعة لمشوار كولر مع الفريق، وهو ما حدث مع العديد من المدربين السابقين.
أيضًا، الضغوط الإعلامية والجماهيرية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مستقبل المدربين، فالنادي الأهلي دائمًا ما يكون تحت المجهر، وأي تراجع في الأداء أو النتائج قد يؤدي إلى مطالبات بإقالة المدرب، حتى لو كان قد حقق نجاحات كبيرة في الماضي.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا، هل يستطيع مارسيل كولر أن يسير على خطى مانويل جوزيه ويتخطى بطولاته؟ أم أن رحلته مع الأهلي ستتوقف قبل أن يحقق هذا المجد؟ الزمن وحده هو الذي سيجيب على هذا السؤال، لكن ما هو مؤكد الآن، هو أن كولر يترك بصمة واضحة في تاريخ الأهلي، ويبدو أنه على الطريق الصحيح نحو المزيد من النجاح.